قصص

قصة سفاح التاكسي

عشان توصل للمجرم أو القاتل، لازم تفكر كأنك هو، انسى انك متربي وابن ناس، لأن صدقني، لو فكرت بالطريقة دي عمرك ما هتوصل لحاجة، ولو وصلت، هيبقى حظ أو القضية كانت سهلة، لكن في القضايا التقيلة، مابيبقاش قدامك غير انك تعيش دور الضحية، بعدها تفكر زي المجرم، عمل كده ليه؟ الدوافع ايه؟.. لحد ما توصل لطرف الخيط اللي هيوصلك للمجرم، وبكده، القضية تبقى اتحلت وقلبك ارتاح، ووقتها تقدر تروح بيتك وتقعد وسط عيلتك وتفرفش معاهم شوية، بعد أيام صعبة عاشوها معاك، أو بمعنى أصح وأدق، مع مجرم رسمته في خيالك وعيشت حياته، والفترة دي انا عايشها دلوقتي، بعد ما قدرت أقبض على راجح الخميسي، اللي قتل عيلته وهرب، لكن على مين.

بس تعرف، دي مش المشكلة.. المشكلة ان بعد مرور اسبوع من القبض على راجح الخميسي، كنت قاعد في البيت وواخد اجازة اريح فيها اعصابي وأرجع العلاقات ما بيني وبين مراتي داليا وبنتي ملك، وقتها جتلي مكالمة من ماهر على الفجرية صحيتني من النوم.. وماهر ده يبقى ظابط محترم وله مستقبل، وانا دايما بقوله إنه عنده طريقة بتميزه عن غيره لأنه بيفكر برة الصندوق، وعشان كده بحب اشتغل معاه، بس معنى انه يتصل بيا دلوقتي، اكيد يبقى فيه قضية جديدة وكبيرة. وقتها فوقت من نومي ورديت عليه بصوت نعسان:

-نوعها ايه المرادي يا ماهر؟

-قتل على طريق سريع يا باشا.

-فين؟

-هبعت لحضرتك اللوكيشن حالا، وحقيقي احنا محتاجينك ضروري لاني شامم ريحة حاجة كبيرة.

-طب ايه اللي واضح قدامك لحد دلوقتي؟

-مافيش أي حاجة واضحة، بس طريقة القتل على قد ما هي سهلة، فهي غريبة.

-ماشي، اقفل وانا جايلك حالا، مسافة السكة.

-في الانتظار يا باشا.

قفلت السكة وخدت نفس عميق، غمضت فيه عيني وقولت لنفسي (قدرني يا رب).. بعدها قومت من على السرير براحة عشان ماصحيش داليا، غيرت هدومي وطلعت برة الأوضة واتمشيت لأوضة ملك بنتي وفتحت الباب براحة، دخلت وقعدت على طرف السرير وبوست ملك، وبعد ما اتطمنت عليها، قومت خدت مفاتيحي ومفاتيح العربية من على السفرة ونزلت، ركبت العربية وطلعت على اللوكيشن اللي بعتهولي ماهر، ولما بقيت على أول الطريق شوفت من بعيد عربيات الشرطة، أول ما وصلتلهم ركنت العربية، وقتها لقيت ماهر واقف فوق راسي وبيقولي:

-حمد لله على السلامة يا باشا.

-الله يسلمك يا ماهر، وصلت لايه؟

-مافيش جديد، كل حاجة مجهولة.

-مين المتهم؟.. والبلاغ من مين؟.. ايه يا ماهر؟ هو انا هعلمك شغلك.

-يا باشا كلام بديهي ومحفوظ، و…

قاطعته وانا منفعل:

-طالما عارف انه بديهي، ليه ماتعرفش حاجة لحد دلوقتي؟

-مش ده القصد يا باشا.. القصد اني اهتميت فعلا ان اعرف التفاصيل دي، لكن للأسف، القتيل ماعهوش أي حاجة بتدل هو مين ولا كان بيعمل هنا ايه، يعني احنا دلوقتي قدام شخص مجهول، اما اللي بلغ فهو واقف هناك جنب البوكس، كل اللي يعرفه انه شاف واحد واقع على الطريق، في الأول افتكره عمل حادثة او تعبان، ولما نزل وشافه لقاه واخد رصاصة وبينزف، ولحسن الحظ انه طلع دكتور، بس للأسف، وقت ما حاول يساعده كان خلاص، قطع في النفس.

-مافيش حاجة اسمها مجهول، طالما جوة حدود بلدنا يبقى هنعرفه، والجثة دي تطلع على المشرحة، والتقرير بتاعها يبقى عندي قبل ما الشمس تغرب، بلغ دكتور سليم بكده.

-بس دكتور سليم….

-ما بسش يا حضرة الظابط، ده شغله وده شغلنا، مش هنطبطب احنا.

-أوامرك يا باشا، يوصل حالا.

سابني ومشي، بعدها خدت بعضي واتمشيت لحد الجثة، ومع وصولي عندها، شوفت قدامي راجل عنده حوالي تلاتين سنة وواخد رصاصة في النص اليمين من دماغه، وفي دم كتير متجلط على الأرض، معنى كده انه هنا من مدة مش كبيرة ومش صغيرة، لكن الاقرب ان دي قضية انتقام، ولما القاتل خلص على الجثة رماها في حتة بعيدة، ماعرفش بقى الموضوع كان داير على فلوس ولا شرف، لكن المظهر العام للقتيل اللي قدامي، بيقول انه مايعملش مشاكل مع حد.

ولحد هنا، نيجي للنقطة التانية، الراجل ده متجوز، اه  اضل مكان الدبلة في صباعه معلم، ومعنى كده ان ممكن يكون في ناس سرقوه وقتلوه، بعدها رموه على الطريق هنا، بس ايه اللي يخليهم يسيبوه في حتة مكشوفه زي دي؟.. علامات استفهام كتير مالهاش اجابة، لكن هنعرف جزء منها لما نكتشفت هوية القتيل، وبكده، هنقدر نوصل لطرف الخيط اللي هيوصلني للقاتل.

عدى حوالي ساعتين وانا في مسرح الجريمة، استنيتهم لحد ما اخدوا الجثة واتحركوا بيها على المشرحة، وبعد ما اخدوها ركبت عربيتي ورجعت البيت، وأول ما وصلت طلعت الشقة ودخلت الأوضة، وقتها سمعت داليا بتنادي عليا فماردتش عليها، طب ليه ماردتش، انا ابتديت في تقمص دور القتيل ومش عايز حد يخرجني منه، حتى داليا لما لقيتني مش برد، فهمت وسكتت، ومعنى سكوتها انها حضرت نفسها لدور الاكتئاب بتاع كل قضية، اصلها عارفة كويس انها داخلة على فترة انا هتحول فيها.. المهم، في اللحظة دي فردت جسمي على السرير وفضلت أفكر في الجريمة، لدرجة اني حسيت اوكرة الباب بتتحرك حركة خفيفة، وان في حد هيدخل دلوقتي ويخلص عليا، فمن تعب التفكير والتوتر روحت في النوم، وبعد ما نمت، فوقت وانا على نفس الطريق، وقتها حسيت اني طولت، ولما ركزت، لقيت شخص شايلني، بصيت في عينه لقيته مغيب وداخل في حالة نفسية صعبة، ومع تركيزي معاه سمعته وهو بيقول:

-ماحدش هيعرف، أنا لازم اتصرف.

معنى كده انه قاتل وانا القتيل، اتأكدت من معلومتي لما بصيت على الأرض وشوفت دم كتير بينقط مني، حاولت أصرخ  ماعرفتش، كأن في حاجة مكتفاني، في اللحظة دي قطع حبل افكاري صوت رنة موبايلي، فوقت كالعادة من النوم وانا عارف اني كنت بحلم، بعدها بصيت على اللي بيتصل لقيته دكتور سليم.

-ايوه.. وصلت لايه يا دكتور؟

-الجثة يا فؤاد باشا، لسه فيها الروح.

-ازاي يا دكتور؟

-ممكن تيجي المشرحة دلوقتي يا باشا وانا هشرحلك كل حاجة.

-مسافة السكة.

قفلت معاه وقومت غيرت هدومي، ومافيش تلت ساعة وكنت هناك، ركنت العربية، وقبل ما اخش، شوفت فتوح الغفير قاعد على الباب.

-صباح الفل يا فؤاد باشا، دكتور سليم مستنيك جوة.

-داخله يا فتوح.

ضحك ضحكته السمجة وهو بيرد عليا:

-لو عاوز اي حاجة فتوح في الخدمة يا باشا.

ماردتش عليه ودخلت، وقبل ما اوصل لأوضة التشريح شوفت دكتور سليم، كان واقف ومعاه اتنين دكاترة، أول ما شافني طلب من الاتنين اللي معاه يمشوا وشاورلي من بعيد عشان اجيله، فقربت منه وانا بقوله:

-يعني ايه الجثة لسه فيها الروح؟

-يعني القتيل داخل في غيبوبة، وفي الحقيقة أنا ماعرفش ممكن يفوق منها ولا لأ، بس هو لسه فيه الروح، ولو ربنا أراد وكتبله عمر جديد، هيفوق.

-انت متأكد من اللي انت بتقوله؟

-وانا عمري قولتلك حاجة غلط ياباشا؟!

-لأ، بس لو المجني عليه فاق، بكده القضية هتبقى اتحلت وبنسبة كبيرة كمان.

-والمطلوب يا باشا؟

-تشوف شغلك، ومش عايز حد يعرف انه لسه عايش، وانا هوصي اتنين عساكر يراقبوا الأوضة اللي فيها المجني عليه، ومن اللحظة دي مش عايز حد يخش ولا يطلع، ما عدا انت طبعا.

قبل ما يرد عليا موبايلي رن، واللي كان بيتصل هو ماهر، استأذنت سليم ورديت، وقبل ما انطق بأي حاجة، اتكلم هو وقالي:

-اسف على الازعاج يا فؤاد باشا، بس احنا لقينا تاكسي متبلغ عنه، واقف في نص طريق سريع وموقف الدنيا.

-اتصل بشرطة المرور يا ماهر، ماتضيعش وقتي بتفاهات.

-ما تقريبا كده يا باشا صاحب التاكسي هو القتيل بتاع امبارح.

-ازاي الكلام ده؟

-احنا لقينا فلوس ودبلة ومحفظة، وجوة المحفظة بطاقة، وصورة صاحبها تشبه القتيل بالظبط، والمقتنيات اللي لقيناها جوة بتدل على انه هو، خصوصًا ان فيه اثار دم متجلط على كرسي السواق.

-طب ابعتلي اللوكيشن وهجيلك حالا.

-أوامرك يا باشا.

ثواني ورسالة اتبعتتلي على الواتساب باللوكيشن، بعدها أكدت على دكتور سليم ان مافيش مخلوق يعرف باللي بلغهوني، ولما خلصت معاه، اتحركت على المكان، وأول ما وصلت دورت على ماهر ومالقتهوش، لحد ما سمعت صوته وهو بيقولي من ضهري:

-في معادك يا فؤاد باشا، احنا فتشنا التاكسي حتة حتة ومافيش حاجة مسروقة، حتى الحاجات اللي اتسرقت من القتيل امبارح لقيناها موجودة زي ما هي في العربية، الحاجة الوحيدة بس اللي ماكانتش موجودة هي البصمات، لا وكمان…

قاطعته لما أخدته على جنب وقولتله:

-المجني عليه لسه عايش وداخل في غيبوبة، وانا بلغت دكتور سليم انه مايعلنش عن الخبر، احنا مانعرفش القاتل لما يعرف ان ضحيته لسه عايشة هيعمل معاها ايه.

-الواضح كده اننا قدام واحد بينتقم من السواق، اصلنا لقينا ورقة في العربية مكتوب فيها “لن أنساكِي” بتوقيع الباكي.

-طب بص، انا عايزك توصل لمرات ال..

-اسماعيل يا باشا، اسمه اسماعيل علي، عنده 33 سنة ومواليد محافظة القاهرة.

-حلو، عاوزك توصل لمراته أو أهله وتخليهم يجولي على مكتبي.

-أوامرك.

-النهاردة يا حضرة الظابط، مفهوم؟

-مفهوم يا باشا.

رجعت على النيابة جمعت الأدلة كلها قدامي، بعدها مسكت الورقة اللي لقوها في التاكسي وكانت مبلولة، ماعرفش هي كانت كده ولا اتبلت مني، لكن كلمة الباكي ماكنتش واضحة أوي، بس الأكيد إن كل حاجة هتوضح لما نقابل أهل المجني عليه، اكيد هم هيعرفوا لو فيه خلافات بينه وبين حد تاني، وقتها بس المهمة هتبقى اسهل.. وفضلت على الحال ده وانا بفكر، لحد ما باب مكتبي خبط.

-اتفضل.

جمعة العسكري فتح الباب و دخل.

-نعمة مرات المجني عليه برة يا باشا.

-خليها تدخل يا جمعة.

-أوامرك يا باشا.

نده على مرات المجني عليه ولحظات ودخلت، بعدها عبد السميع دخل وراها، قعد على مكتبه الصغير اللي جنب مكتبي، ولما جهز شاورتله عشان يبتدي كتابة، وقبل ما أقول أي حاجة الست عيطت وقالتلي:

-هو اسماعيل حصله ايه يا باشا، ابو العيال مات؟… جوزي أبو عيالي، خلاص كده، راح؟

-اهدي يا نعمة، جوزك لسه فيه الروح، وبدعواتك هيقوم وهيبقى بخير، وعلى ما يقوم بالسلامة، عايزين نعرف منك معلومات مهمة عن اسماعيل، يعني، لو حد بيكرهه، او في خلافات الفترة الأخيرة بينه وبين شخص حكالك عليه، حاجة شبه كده، ومن فضلك يا نعمة، احكي كل حاجة بالتفصيل عشان حق اسماعيل يرجع.

-يا باشا اسماعيل غلبان، ليل نهار شغال على التاكسي عشان يأكلني انا وعياله بالحلال، لكن خلافات وكلام من ده، ماحصلش، اصل لو فيه كنت هبقى اول واحدة اعرف، لكن هو، غلبان، والله العظيم غلبان، انا اللي غلطانة، يا ريتني ما نزلته في ساعة متأخرة زي دي، بس هو راسه والف سيف ما يستلف ويدفع مصاريف العيال من جيبه.

كملت كلام وهي بتبكي بحرقة:

-يا مرك يا نعمة، سندك راح وبقى ضهرك مكشوف.

-اهدي يا نعمة وحق جوزك هيرجعلك، المهم دلوقتي تركزي معايا، انتي تعرفي واحد اسمه الباكي؟

-الباكي، يطلع مين الباكي ده يا باشا؟

شديت منديل من على المكتب ومديت ايدي بيه.

-خدي المنديل وامسحي دموعك، حق جوزك هيرجعلك، ولو فيه اي معلومة جديدة عرفتيها، يا ريت تبلغينا.

بعدها ضربت جرس لجمعة اللي دخل المكتب وخرج نعمة، وبعد ما خرج عبد السميع هو كمان طلع، ريحت ضهري على كرسي المكتب وطلعت سيجارة من الدرج، ولعتها وشديت نفس، خرجته بضيق وانا بقول لنفسي، (يطلع مين الباكي ده يا فؤاد).. قطع تفكيري ماهر وهو بيرن عليا، رديت عليه، وقبل ما انطق واقول اي حاجة، اتكلم وقالي:

-جثة مضروبة رصاصة في نص دماغها على طريق سريع يا فؤاد باشا، والموضوع مش صدفة وحضرتك لازم تيجي دلوقتي.
تتبع.
سفاح التاكسي
٢
قطع تفكيري ماهر وهو بيرن عليا، رديت عليه، وقبل ما انطق واقول اي حاجة، اتكلم وقالي:

-جثة مضروبة رصاصة في نص دماغها على طريق سريع يا فؤاد باشا، والموضوع مش صدفة وحضرتك لازم تيجي دلوقتي.

-اللوكيشن حالا يا ماهر.

-وصل يا باشا.

مجرد ما خلص جملته اللوكيشن اتبعت، بعدها قفلت السكة ونزلت ركبت عربيتي واتحركت على المكان وانا حاسس ان كل حاجة بتتعاد، خاصة لما وصلت وشوفت دوريات الشرطة واقفة، لكن الجديد ان كان في ناس كتير زاحمين المكان، عن المرة اللي فاتت اللي ماكنش فيها حد، وبعد ما ركنت عربيتي في نص الطريق، ونزلت منها، قربت من مسرح الجريمة، ووقتها سمعت واحد بيقول:

-لا حول ولا قوة الا بالله.

بصيت حواليا لقيت صحفيين كتير، واحد منهم أول ما شافني قرب مني بموبايل في ايده وكان فاتح منه لايف.

-ايه تعليقك يا باشا على ان في سفاح منتشر؟

-سفاح!

-جريمتين في اقل من يومين وبنفس الطريقة، ودي حاجة بتدينا انطباع اننا قصاد سفاح هارب.

حاولت اتمالك اعصابي قدام الكاميرا، وفي الوقت المناسب ماهر خدني من وسط الصحفيين، بعدها خدت نفس عميق وقولتله:

-ايه اللي بيحصل هنا يا حضرة الظابط، ومين اللي وصل المعلومات دي للصحفيين؟

-ماعرفش يا باشا، احنا جالنا البلاغ واتحركنا على المكان، وبمجرد ما وصلنا اتصلت بحضرتك، ومافيش، لحظات والمكان اتملى صحفيين، والغريب انهم عارفين تفاصيل قتل اسماعيل، على الرغم من اننا ماقولناش حاجة.

-مش غريب ولا حاجة، اكيد حد من العساكر بلغ وقبض.

-والعمل؟

-نركز في القضية ونحلها في اقرب وقت، الموضوع وسع وماينفعش نبان في موقف ضعف قصاد الرأي العام.

-جريمة اسماعيل كأنها بتتكرر يا باشا، راجل واخد رصاصة في دماغه، ومافيش أي حاجة بتدل مين ده ولا بيعمل هنا ايه.

-والمرادي القاتل ضرب الرصاصة في نص دماغ القتيل، وده طبعا عشان مايبقاش فيه فرصة انه يعيش.

-مظبوط يا باشا.

-لا مش مظبوط، ابعتلي الجثة دي على مشرحة، وهناك، عايز دكتور سليم يقارنلي بينها وبين اسماعيل، اكيد في حاجة هتساعدنا.

-علم وينفذ.

ومشي من قدامي، من بعدها اتحركت ناحية مسرح الجريمة ووقفت قصاد الجثة وانا بكلم لنفسي، (يا ترى حصلك ايه انتي كمان!).. بصيت على ايد الجثة لقيته مش متجوز ولا خاطب، أعزب، وبالنسبة لشكله فهو حوالي خمسة وعشرين او ستة وعشرين سنة، ومن لبسه واضح انه بيهتم بنفسه، يعني، زيه زي شباب اليومين دول اللي عايشنها بالطول والعرض، بس ايه علاقته بجريمة سواق التاكسي.. مش عارف!، لكن الاجابة جتلي بسرعة لما ماهر قطع شرودي وقالي:

-تاكسي جديد لقوه متعطل على طريق سريع، وشرطة المرور بلغتنا لما لقت دم على كرسي السواق.

في اللحظة دي المسئلة كانت وضحت قدامي، وقتها رديت على ماهر وانا حاسس بطرف الخيط في ايدي:

-كده المجرم بيستهدف سواقين التاكسي.

-من الواضح كده يا باشا.

-طب يلا نتحرك على المكان، اكيد هنلاقي حاجة تفيدنا.

لما وصلنا هناك لقينا المعمل الجنائي وصل وفتش كل حاجة جوة التاكسي، بس الغريب ان برضه ماكنش فيه حاجة مسروقة وكل المتعلقات الشخصية للجثة كانت موجودة، كأن القاتل بيلهينا على ما يمسح بصماته، وده لأن المعمل الجنائي مالقاش أي بصمة، حتى للسواق، وبالنسبة له، فكان اسمه ماجد عماد، والتاكسي، كان يخص والده، عماد ابراهيم، وقتها فهمت اني قصاد سفاح مرتب جريمته كويس أوي، لكنه في الأخر بشر وأكيد هيغلط في تفصيله هتغرقه… قطع سرحاني واحد من المعمل الجنائي واقف قدامي، كان ماسك في ايده ورقة مكتوب فيها “لن أنساكِي” بتوقيع الباكي، ولو تفتكروا، دي هي هي نفس الورقة اللي لقيناها المرة اللي فاتت.. في اللحظة دي اتأكدت مليون في المية اني قصاد سفاح، ومن هنا، أول حاجة فكرت فيها هي ماهر، قولتله يدور في قواضي قديمة، تشبه القضية اللي تحت ايدينا دلوقتي، يمكن وقتها نوصل لحاجة، بعدها رجعت البيت أريح شوية وافكر في القضية بهدوء أعصاب، بس وقتها ولما ملك بنتي فتحت التلفزيون، اللي كنت متوقعه حصل، الاخبار نقلت الجريمتين بالتفصيل والعناوين كلها كان بيتصدرها الباكي، وبكده، ظهر سفاح جديد زانضم لقايمة طويلة، لكن لحظة، دول جايبين سيرتي وبيشككوا في قدرتي على حل القضية، في اللحظة دي اتعصبت والدم فار في عروقي، ولعت سيجارة وحرقت فيها، ولما داليا شافتني بالمنظر ده، بصت بعينيها على السيجارة، ومع نظرتها خدت بعضي وطلعت البلكونة عشان ماشربش قدام البنت، وبعد ما طلعت ولعت سيجارة تانية وانا بفكر، مين ده وبيعمل كده ليه؟.. جمعت الخيوط في دماغي واللي وصلتله اني بجري ورا مجنون، اه، ما هم السفاحين بيبقوا ايه غير مجانين، نصهم بيترمي في مصحات نفسية والنص التاني بيتعدم عشان الرأي العام، ووسط مانا بفكر داليا دخلت البلكونة وحطت ايديها على السور:

-مش فاكرة دي الليلة رقم كام اللي بشوفك فيها واقف في البلكونة وانت بتولع سيجارة و بتفكر في قضية تقيلة، اما انا وبنتك، فعادي نبقى قاعدين جوة خايفين منك، اه، ما احنا مش عارفين انت دلوقتي متقمص دور القاتل ولا المقتول، وياترى بكرة مخبيلنا ايه، لكن المرادي اول مرة احس انك فؤاد، جوزي، واقف بتولع سيجارتك وانت خايف، شاكك في نفسك، حاسس ان الفشل قريب منك، لكن بالعكس، عمري ما شوفتك فاشل، دايما بتلاقي الحل، او ربنا بيبعتهولك في اسرع وقت.

بصيت في عينيها ورديت عليها وانا باخد نفس من سيجارة تالتة كنت ولعتها:

-مش قادر ابقى القاتل، مش حاسس بيه، مشاعر حزن بتتملكني كل ما ابقى في مسرح الجريمة، كأن الشر اتبخر من قصادي.

-مش يمكن القضية دي محتاجة فؤاد، مش حد تاني؟

-وفؤاد مش قادر يتصرف، ولا حتى قادر يفكر، كل اللي في دماغي دلوقتي اني اعتذر عن القضية واتحمل عواقب قراري.

-على الرغم من انها هتبقى حاجة كويسة ليا، وده لأني يعني هبقى متطمنة عليك، الا انها هتبقى حاجة وخشة اوي ليك، فؤاد، انت هتفضل طول عمرك ندمان على قرار زي ده، وأنا مش هقبل بيه.. اسكعني، فؤاد باشا وكيل النيابة العظيم، هو اللي هيحل قضية السفاح، وبدل ما تقدم اعتذارك والصحف تكتب عن هروبك، خليهم يكتبوا عن حلك للقضية بسهولة زي كل مرة.

طفيت سيجارتي قبل ما اخلصها على غير عادتي، بعدها خدت نفس عميق وبوست راس داليا وقولتلها:

-شكرا… شكرًا على كل حاجة.

بعد كده نزلت ركبت عربيتي وطلعت على المكتب، وقبل ما اخش طلبت من جمعة يبعت لماهر يجيلي حالا، اما انا، ف قعدت وطلّعت ملف القضية، قلبت فيه شوية عقبال ما ماهر وصل، وبعد ما وصل قعد على الكرسي اللي قدامي.

-ها ياماهر.. وصلت لفين؟

-انا راجعت قضايا قديمة ممكن تفيدنا، بس مافيش قضايا مشابهة يا باشا، كل القضايا اللي ليها علاقة، يا تحرش، يا اغتصاب، ياسرقة، ودي حاجات بعيدة كل البعد عن قضيتنا.

-مافيش حاجة اسمها بعيدة يا حضرة الظابط، اي خيط نمسك فيه لحد ما نوصل للحقيقة، احنا مش هنقعد نتفرج على بعض والرأي العام بياكل فينا، الاعلام مش هيرحم حد.

-انا بعمل كل اللي اقدر عليه يا باشا.

-ماهو طالما ماوصلناش لحاجة يبقى مابتعملش اللي عليك، انت تقوم دلوقتي وترجع تفتح في قضية قضية، تقرأ التحقيق بتاعها، ولما توصل لحاجة كلمني.

-اوامرك يا باشا.

بعد ما ماهر مشي قعدت لحد الصبح في المكتب، كنت بقلب في قضايا قديمة يمكن أوصل لحاجة، لحد ما حسيت اني تعبت، ومن التعب فردت ضهري على كنبة المكتب وروحت في النوم، ماعرفش عدى قد ايه، لكني فوقت على رنة موبايلي، وكالعادة اللي بيتصل كان ماهر، رديت عليه وأنا بدور على علبة السجاير في جيبي.

-ايه يا ماهر، وصلت لايه؟

رد عليا وهو متوتر:

-انا بتصل بحضرتك بقالي ساعة يا فؤاد باشا ومابتردش عليا، احنا في مصيبة.

-ايه اللي حصل يا ماهر انطق.

-احنا.. احنا لقينا جثتين مقتولين بنفس الطريقة في مكانين مختلفين، ومن دقايق قبل ما حضرتك ترد، جالنا بلاغ بعربيتن تاكسي موقفين الطريق، وماحدش شاف القاتل يا باشا، كأنه عارف بيعمل ايه وحافظ البلد شبر شبر.

-اللوكيشن يا ماهر.

-بعته لحضرتك من بدري.

بعد ما قفلت معاه قومت من على الكنبة، شديت المفاتيح وعلبة السجاير من على المكتب ونزلت، وأول ما وصلت مسرح الجريمة لقيت صحفيين كتير، المنظر خلاني اتعصب لأنهم معطلين الشرطة، فـ نزلت من العربية وولعت سيجارة، ومن الضغط النفسي اللي كنت فيه زعقت في العساكر وطلبت منهم ان كل اللي في المكان يمشوا، سمعوا الأوامر ونفذوا، ولما وصلت لمكان الجثة، لقيتها مقتولة بنفس الطريقة، بس المرادي الضحية كان راجل كاسر الخمسين سنة، واضح عليه الغلب والطيبة، ووسط مانا بحلل الوضع سمعت واحدة بتعيط بحرقة.

-قتلوك يا بابا، انا قولتلك ماتنزلش في وقت متأخر زي ده، انت اللي ماسمعتش الكلام، واخرتها ايه، قتلوك، ملعون ابو الفلوس اللي تخلي الواحد يعمل كده في نفسه، اوعىىىىى.. سيبني بقولك، عايزة اشوفه.

لما بصيت عليها وشاورت للعسكري يسيبها، خليتها تشوفه بس من بعيد، ومع نظرتها له  ردت عليا وهي بتبكي:

-ايه.. مش عارفين تحموا الناس، انتوا بتعملوا ايه وفي سفاح وسطينا.

ماهر سمعها وطلب من العسكري يرميها برة، فاتعصبت عليه وقولتله:

-عندها حق، احنا بنعمل ايه؟… اربع ضحايا في ظرف كام يوم، واحنا واقفين بنتفرج.

-بس يا فؤاد با..

-مابسش، قولي اللي حصل بالتفصيل واخبار عربيتين التاكسي اللي لقوهم.

-نفس الي بيحصل كل مرة، الفرق انهم لقوا ورقتين جوة العربيتين مكتوب فيهم “هفضل انتقم” ونفس التوقيع، الباكي.

وقتها موبايلي رن، واللي كان بيرن دكتور سليم اللي رديت عليه.

-مش وقته يا دكتور، هكلمك بعدين.

لسه كنت هقفل الخط رد عليا وقالي:

-صحي.. اسماعيل صحي.
تتبع.

سفاح التاكسي
٣
لسه كنت هقفل الخط رد عليا وقالي:

-صحي.. اسماعيل صحي.

نظرات وشي فضحتني لانها اتحولت من نظرت غضب وتوتر، لنظرات كلها امل، نظرات خلت ماهر يسألني مالك، بس سؤاله ماهمنيش، انا نسيت انه واقف قدامي ورديت على سليم.

-جايلك حالا.

قفلت معاه وبصيت لماهر.

-وانت.. تعالى معايا.

من غير ما يعرف احنا رايحين فين فهم، ولما وصلنا المستشفى، طلعنا لأوضة اسماعيل لقينا دكتور سليم واقف، اول ما شافني ابتسم وقالي:

-كنت مستنيك يا دكتور، واسماعيل كمان مستنيك.

-مستنيني!

-اصله حالف ما يتكلم غير قصاد النيابة، بس خد بالك يا فؤاد باشا، اسماعيل داخل في حالة عصبية صعبة، يعني هتلاقيه ساعات بيتهته في الكلام، خايف معظم الوقت، ما اصل اللي مر بيه ماكنش سهل برضه.

-مفهوم مفهوم، دخلني عنده.

دخلت انا وماهر وقعدنا قصاده بهدوء، أول ما شافنا اتوتر، لكن انا وقتها حاولت اديله الثقه لما قولتله:

-ماتقلقش يا اسماعيل، انا فؤاد باشا، وكيل نيابة.

رد عليا وهو بيتهته في الكلام:

-حا حا حاسس بيه يا باشا، هو هنا.

-هو مين يا اسماعيل؟

-القاتل.

-ماحدش هيقدر يقربلك واحنا معاك يا اسماعيل، احكيلي كل اللي حصلك بالتفصيل ليلة الحادثة، وانا اوعدك اني هساعدك.

بص بعينه يمين وشمال ورد عليا وهو بيبلع ريقه:

-ا ا انا يا باشا كنت نازل اشتغل بليل، حاكم مصاريف المدرسة كتير والهم اكتر، المهم، بعد ما لفيت شوية بالعربية، جالي زبون تعبني اوي وفي الاخر دفعلي يدوبك، تمن البنزين، س س سيبته وانا متكدر ومتضايق، واتحركت بالتاكسي شوية لحد ما لقيت زبون تاني، ك ك كان باين عليه انه متوتر، ماسك صورة في ايده ةحاضنها بشكل غريب، لما وقفني، سألته رايح فين، فبص يمين وشمال وبعدها قالي انه رايح مكان بعيد، رفضت في الاول، لكن المبلغ اللي عرضه عليا كان مغري.. ف ف فوافقت يا باشا، ويا ريتني ما وافقت.

وماقدرش يكمل، ده بدأ يبكي ويترعش من الخوف، ومع عياطه حاولت اطمنه.

-اهدى يا اسماعيل.. انا معاك، ماحدش هيقدر يأذيك، بس قولي، بعد ما وافقت.. حصل ايه؟

كمل كلام والدموع في عينيه:

-ر ر ركب يا باشا واتحركت بيه على اللوكيشن، وفي نص الطريق لقيته ماسك الصورة وباصصلها وهو عمال يقول.. سامحيني يا بنتي، انا اللي غلطان، ماكنش ينفع اسيبك تركبي لوحدك.. صعب عليا يا باشا فسألته مالك، لكنه ماردش عليا، بصيتله في المرايا لقيت نظرات وشه اتغيرت، بقت نظرات جامدة ومريبة، حسيت وقتها بقلق ناحيته، ولما جيت افرمل، لقيته طلع مسدس، واخر حاجة فاكرها انه ضربني بالنار، ب ب بعدها اغمى عليا، وفوقت وانا هنا، بس.. بس هو انا فين يا باشا، هو.. هو عارف اني عايش؟

-ماحدش عارف انك عايش يا اسماعيل، بس احنا هنبلغ مراتك، اصلها قلقانة عليك اوي.

-لالالا يا باشا، ماتقولوش لحد غير لما تقبضوا عليه، ده مجنون وممكن يجي يقتلني، ارجوك يا باشا، انا شوفت الموت بعيني.

-حاضر يا اسماعيل، وانا هشدد الرقابة عليك، ماتقلقش، احنا في ضهرك.

جيت اقوم من مكاني لقيته اتفزع، خاف امشي، وقتها الاجهزة كلها صفرت والدكتور دخل اداله مهدأ، ولمل خرجت انا وماهر، ماهر بصلي وقالي:

-تقريبا كده يا باشا احنا عندنا مشتبه فيه.

-مشتبه فيه!

-فاكر يا باشا لما قولتلي اراجع قضايا مشابهة للي بيحصل، اهو انا خدت بالي من قضية اغتصاب فتاة في تاكسي، بعدها السواق قتلها وتواها في حتة قريبة من طريق سريع، وبعد سنتين من الاختفاء لقيناها في عملية حفر، ولما ابوها عرف دخل في حالة عصبية صعبة، وحلف انه مش هيسيب حق بنته، وتقريبا كده ماكفهوش اعدام السواق.

-يانهارك ازرق، بقى انت عارف المعلومات دي كلها وماقولتش من بدري!

-اصلها ماكانتش تهم قبل ما نسمع كلام اسماعيل.

-واديها دلوقتي تهم، استغفر الله العظيم يارب، عايزك دلوقتي تبعت قوات على بيت المشتبه فيه ويبقى على مكتبي حالا.

-اوامرك يا باشا.

***

رجعت مكتبي وقعدت على الكرسي، بصيت للسقف وانا بسترجع كل حاجة حصلت، بعدها فتحت التلفزيون على قناة اخبارية كبيرة، كان في برنامج شغال عليهل والمذيع  كتير مننا نعرفوا، والمذيع المعروف ده كان بيتكلم والدموع نازله من عينه:

-ماذا ستقول أمام الله، انا مجرم، انا قاتل، انا السفاح، ولا الباكي عشان الناس تتعاطف معاك، لكن لا، ماحدش هيتعاطف مع قاتل زيك، حتى وإن كان ماضيك.. ماضي مؤلم، الناس مابقوش اغبيا، واللي انت قتلتهم مالهمش ذنب، ملف صعب يا سادة، وايام مريرة بنعيشها، لا حد قادر يطلع من بيته في وقت متأخر، ولا السواقين بقوا ينزلوا بليل، اه، حقهم، ما هم خايفين، وحقهم يخافوا، ولحد هنا، نيجي بقى للشرطة وهي بتتفرج على القضية من بعيد، لا قادرين يقبضوا على السفاح، ولا يحموا المواطنين، وانا من موقعي ده، داخل الاستوديو، بقولكوا ان مافيش أي مبرر للقتل.

في اللحظة دي تليفون المكتب رن، رفعت السماعة واللي كان بيتكلم هو الوزير اللي أكدتله اننا قربنا من السفاح لأن بقى فيه مشتبه وهيبقى في مكتبي بعد لحظات، وساعتها القضية هتتقفل، لكن.. لكن رد الوزير كان قاسي، لأنه اداني الفرصة الأخيرة، يا انجح، يا القضية هتتحول لشخص تاني وانا هتحول للتحقيق، قفلت السكة وانا بقول يا رب، بعدها باب المكتب خبط وجمعة دخل وقالي ان المشتبه فيه برة، طلبت دخوله وابتدينا تحقيق، دخل عليا راجل متكلبش، ماسك صورة في ايده وكاسر الاربعين سنة، وكان معاه دخل عبد السميع وماهر.. أول ما قعد بصيتله وقولتله:

-اسمك وسنك؟

رد عليا بثقة:

-منصور السيد، خمسة واربعين سنة، ومش عارف ايه اللي جابني هنا.

-ايه يا منصور، احكيلي، ايه قصتك.

-بنتي يا باشا، اتقتلت من واحد خمورجي، والحكومة كتر خيرها جابتلي حقي.

-طالما حقك جالك، ايه لازمته القتل؟

-قتل؟.. قتل ايه لا سمح الله، انا راجل غلبان ومراتي ماتت في ولادة بنتي، ومن ساعتها وانا بربيها احسن تربية، لحد ما عيل ابن حرام قتلها، وفضلت سنتين ادور عليها، وفي يوم باب شقتي خبط وقالولي بنتك ماتت، في الاول ماصدقتش، لحد ما شوفت القاتل قصاد عيني، فسلمت الأمر لربنا، وبعد ما ابتديت انسى، لقيت الحكومة بتخبط على بابي وبيتهموني في قضية قتل، بس معذورين، مايعرفوش اني ماقدرش اقتل فرخة.

-اصل غريبة يعني يا منصور، القاتل بيخش التاكسي وهو ماسك صورة، زيك كده بالظبط.

بدأ يتوتر ويلغبط في الكلام، وبعدها بلع ريقه ورد عليا:

-ماسك صورة! ما يمسك يا باشا، ده راجل مش تمام ولازم يتقبض عليه.

-وليه الغلط؟… بس عامة ماتقلقش، احنا قبضنا عليه، اصل اللي ماتعرفوش، ان اسماعيل فاق، واسماعيل ده يبقى اول ضحية تحت ايدك، أنا بفكرك بس لا تكون نسيته.

بدأ يحضن الصورة ويعرق، لسانه اتشل للحظات ومانطقش، لحد ما بعد شوية رد عليا وقالي:

-مش الاربعة ماتوا برضه يا باشا؟

-توء، حظك بقى، المهم، عملت كده ليه؟

-عملت ايه يا باشا، انا ماعملتش حاجة.

اتعصبت وزعقت فيه:

-ما تنطق، قتلتهم ليه؟

باس الصورة اللي في ايده وهو بيتلفت يمين وشمال، وبنبرة صوت كلها خوف قالي:

-هي يا باشا، بتظهرلي كل ليلة وبتطلب مني انتقملها، وفي ليلة جتلي في المنام وشرحتلي الخطة، اقتل وارمي، بعدها أخد التاكسي وامسح البصمات، وبعد ما اتأكد إن كل حاجة سليمة، بقيت بحطه على أي طريق واعطل الدنيا، وده عشان الناس تعرف ان حقها عمره ما هيضيع، وكمان عشان الحكومة تتأخر في التحقيقات وأنا اكون خدت احتياطاتي، ده غير ان شغلتي القديمة في المرور ساعدتني كتير، وخلتني اعرف الاماكن اللي فيها كاميرات والاماكن اللي مافيهاش، فكنت بشرح للسواق طريق فاضي، اقدر انتقم فيه من غير ما حد يشوفني.

كمل كلامه بنظره كلها شر:

-ومع اول ضحية بنتي ظهرلتي، وطلبت مني اعيد كل حاجة مرة تانية، لحد ما قتلت اتنين في ليلة واحدة، والنهاردة، كانت هتبقى مدبحة، لكنكم لحقتوني، بس اوعدكم اني مش هسيب حقها، والله ما هسيب حقها.

انت خلاص يا منصور، رجلك وحبل المشنقة.

اول ما سمع كلمة حبل المشنقة ارتبك، نظرات وشه رجعت طبيعية، وبعدها بدأ يبكي ويقولي:

-قبل ما تحكم عليا يا باشا حس بيا، انا راجل كان نفسه في حتة عيل، ومراته كان عندها مشكلة، والدكاترة قالولها في خطر عليكي لو حملتي، لكنها ست اصيلة وبنت ناس، أول ما شافتني تعبان ومهموم، جت على نفسها وحملت، ويوم الولادة حصل اللي الدكاترة حذروني منه، ومراتي ماتت، لكنها قبل ما تموت سابتلي نسمة حبيبتي، ومن ساعتها، قررت اني هحطها جوة عيني، لا جوة عيني ايه، ده جوة قلبي كمان، لحد ما في يوم نسمة اتحايلت عليا تروح عيد ميلاد صاحبتها، فوافقت عشان بحبها، لكني شرطت عليها تاخد تاكسي، والغريب ان هي اللي رفضت، قالتلي انها مش عايزة تركب مع واحد غريب بالليل، تقريبا كده كان قلبها حاسس، بس انا يومها كنت معمي، شغلي في المرور كان مخليني متطمن، وكان شَرطي الوحيد إنها لو هتروح يبقى تاخد تاكسي، وبعد جدال، وافقت، وقتها ماكنتش اعرف اني كتبت شهادة وفاة بنتي بـ ايدي، وده لأنها اختفت، وبعد سنتين ظهرت مرة تانية وهي عبارة عن عضم، اتقتلت على ايد واحد خمورجي، طمع في جسم واحدة قد بنته، واتقبض عليه بعد ما لقوا محفظتة واقعة مكان الدفن، ومن ساعتها وقلبي مكسور، واه، ماكفنيش اعدامه لأن زيه كتير لسه عايشين، وبنات الناس مش لعبة، لكن.. لكن كل اللي انا عايزة منك يا باشا انك تعتبرها بنتك، انا شايف صورتها اهو على مكتبك، يعني انت حاسس بيا كويس، وانا ماعملتش حاجة غير اني بخلص الناس من أمثاله، ودي بنتي، فماكنتش قادر ارفضلها طلب وهي بتظهرلي وبتقول خدلي حقي يا بابا، اه.. اه.. هي اكيد صح، زي ما كانت صح قبل كده وماتت بسببي.

-للأسف القانون قانون يا منصور، وانت قاتل، زيك زي اللي قتل بنتك بالظبط، مافيش فرق بينكم على فكرة، انت حرمت أربع أسر من شخص غالي عندهم، وكنت سبب في رعب ناس كتير… اكتب يا بني، أمرنا نحن، فؤاد شريف، وكيل النائب العام، بتحويل ملف القضية لمحكمة الجنايات، وأوصينا بالأتي، أن تقام محاكمة عاجلة حتى يكون عبرة لأمثاله، وتوقيع أقصى عقوبة عليه، وهي الإعدام.

-اعدام ايه يا باشا، اعتبرها بنتك، انا ماعملتش حاجة، انا باخد حقها، حقها اللي راح في التراب… ياباشا.. ياباشا..

بصيت لجمعة وقولتله بنظرة جامدة:

-خده يابني.

***

بكده تبقى انتهت قصة سفاح اشتهر بالباكي، ومن بعدها رجعت بيتي وريحت ضهري على السرير ونمت، لكني لما فوقت، فوقت تاني يوم وانا فؤاد، بعدها بصيت لملك وخدتها في حضني وحمدت ربنا على نعمة العيلة، وبالنسبة منصور، فمحاكمته بدأت… وايًا الحُكم.. سواء بالسجن او الإعدام.. فمن وجهة نظري انه يستحقه.. لكن انت.. شايف انه يستاهل يتحكم عليه بإيه؟!

تمت بحمد الله.
#أندرو_شريف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى